الاحتلال الاستيطاني هو احتلال بدائي غير معقد ، يستهدف الارض فقط ،كاحتلال هولاكو لبغداد،واحتلال اليهود لفلسطين، وهو لا يستهدف القكر ولا الثروات الا بقدر تعلقها باستمرارية وجوده ، كتعلق اسرائيل ببحيرة طبرية ومرتفعات الجولان، وهو موجود عند الحيوان كما عند الانسان ، فقد يتصارع الحيوان على العش والجحر والعرين والغابة ،فدافعه غريزي هو حب السيادة مهما تظاهر الانسان بعكس ذلك .
اما الاحتلال الاستعماري فهو احتلال معقد ،وهو يستهدف الفكر والثروة ولا يستهدف الارض بل ما في باطن الارض، الا اذا كانت ارضا استراتيجة الموقع، وهو غير موجود عند الحيوان ، صحيح ان دافعه غريزي ولكن العقل يتحكم به بالذكاء الخبيث، كاحتلال بريطانيا للعراق والخليج والهند، وفرنسا لبلاد الشام وشمال افريقيا ، وكاحتلال الاتحاد السوفياتي لبولندا، واحتلال امريكا للعراق اليوم.
وفي الاحتلال الاستيطاني يدخل الجندي الارض ولا يفكر بالرجوع الى مسكنه ، بل يستوطن فيها ، هو وعائلته واولاده ، فمعركته معركة وجود .
اما الاحتلال الاستعماري فان مجئ الجندي (القوة العسكرية) هو حالة اضطرارية مؤقتة لفتح الطريق وفرض السيطرة السياسية والثقافية والاقتصادية على الشعوب المغلوبة، وهو يفكر بالرجوع حالما تنتهي مهمته، لتبدأ مهمة الجندي المدني الاخطر والافعل لاحتلال العقول ، ومسخ الثقافات ونهب الثروات ، وغالبا ما يكون عن رضا اهل البلد ، لانه يجيد استهواء الفريسة وسوقها الى مقتلها.
والاحتلال الاستيطاني لا يمكن ان يُتحرر منه بالمنظمات المسلحة ، فلابد من الجيوش لتحرير الارض منه، ولهذا فان فلسطين لم تحررها الحركات المسلحة.!!!!
فهي قد رفعت شعار التحرير ..وانتهت بالتسليم.
وبدأت بالمقاومة ..وانتهت بالمساومة.
وبدأ قادتها مقاومين...وانتهوا مقاولين.
وكانت هذه الحركات خديعة للامة لصرف الانظار عن العامل الاساسي في تحريرها وهي الجيوش.
اما الاحتلال الاستعماري ،فيمكن ان يتحرر من الوجه العسكري منه فقط بالمنظمات المسلحة وبالجيوش ان وجدت، لانها تكون معركة ارادات تلغى فيها موازين القوى ، اما الاوجه الثلاث الاخرى للاستعمار فهي الاخطر والاعقد ولا تكفي معها القوة ، بل لا يمكن التحرر منها الا بالتفكير والوعي السياسي ، لان المستعمر قد يخرج من الشباك ويدخل من الباب عندما يفتح له من قبل اهل البلد، وهذا ما حصل لبلادنا ابان الاحتلال البريطاني والفرنسي والامريكي اليوم، فهو لا يخرج من الارض الا بعد ان يعشش في الدستور والقوانين، ومناهج التعليم ، والمؤسسات الاقتصادية.
وهناك صورة اخرى من يرويها لنا التأريخ في علاقة الشعوب وفرض السيطرة وهي الفتح ..فالفتح هو حمل رسالة الخير للشعوب المستعبدة المستضعفة ، لا لاستغلالها ولا لاستعبادها ولا لاذلالها ، بل لانقاذها من الظلم والعبودية..
ومن صفاته
انه لا يفرق بين الارض الغنية والارض الفقيرة ...
ولا بين الفاتح والمفتوح في الحقوق والواجبات...
يعمّر ولا يدّمر ..
يعز ولا يذل..
يحفظ الكرامة الانسانية ولا يضيعها ..
فقد قال ربعي بن عامر مقولته في ايوان كسرى الذي هو بمثابة البيت الابيض او قصر الاليزيه .....
(جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد الى عبادة رب العباد ، ومن ضيق الدنيا الى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الاديان الى عدل الاسلام ) كلمات خالدة تنتظر من يحمل لواءها اليوم.
7/6/2013م