السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أقدم لكم أربع مقالات فلسفية تخص طلاب الباكالوريا علوم تجريبية
*- قارن بين المشكلة الفلسفية والاشكالية الفلسفية :
طرح المشكلة
منذ أن وجد الإنسان وهو يتساءل عن حقيقته وحقيقة العالم الذي يحيط به ، فبعض الأسئلة التي يطرحها أخذت اسم المشكلة الفلسفية و أخرى بالإشكالية الفلسفية ،فما الفرق بينهما يا ترى وما العلاقة التي تربطهما ؟
ذكر أوجه الاختلاف
المشكلة الفلسفية أضيق مجالا و الإشكالية الفلسفية أوسع واكبر حجما، لان الإشكالية الفلسفية تشمل على الأقل مشكلتين، بنما تشملالمشكلة الفلسفية أطروحة واحدة او أطروحتين على الأكثر.
المشكلةالفلسفية هي القضية التي لا نتوصل فيها الى حل يقيني. بينما الإشكالية الفلسفية مشاكل عديدة مترابطة لا تتوفر إمكانية حلها منفردة ولا تقبل الحل، -من الناحية النظرية- إلا في إطار حل عام يشملها جميعا
المشكلة الفلسفية تثير الدهشة ...،أما الإشكالية الفلسفية تثير الإحراج، بحيث يصبح الإنسان في ضيق من أمره ينتابه الشك فيما كان يبدوله يقينيا. ويبقى معلقا بين مواقف تبدو كلها صحيحة
المشكلة تعني صعوبة الحل ، أما الإشكالية تعني الاحتمال و تعذر الاختيار نظرا للجدل القائم
أوجه التشابه بينهما:
كل منالمشكلة الفلسفية والإشكالية الفلسفية وسيلتان تحفزان الذهن من اجل معرفة الحقيقة، و تتطلب قدرا كبير من التأمل والتفكير.و التساؤل فيهما لا ينتهي بمجرد وضع جواب
أوجه التداخل بينهما
السؤال المشكلة يتطور ليتحول مع تعارض الآراء وتباين المواقف إلى إشكالية فلسفيةطبيعة العلاقة بينهما هي علاقة المجموعبعناصره او علاقة الكل بأجزائه أي علاقة تداخل وتضمن.، ولذلك لا نستطيع إن نفهمالجزء إلا اذا فهمنا الكل ولا نفهم الكل الا من خلال فهم الجزء.ولهذا السبب تزداد الإشكالية الفلسفية تعقيدا عندما تذوب المشكلة الفلسفيةفي الإشكالية الأم.
حل المشكلة
من خلال ما سبق نستنتج أن الاختلاق الذي يفرق المشكلة الفلسفية عنالإشكالية الفلسفية لا ينفي وجود علاقة بينهما تتسم بالتداخل والتكامل.
*- المنهج التجريبي- مقالة فلسفية مفصلة لجميع الشعب
العلـــوم التجريبيـــة
طرح المشكلة
هل العلوم التجريبية تعتبر علوما صارمة في تطبيق المنهج التجريبي ، و دقيقة في استخلاص نتائجها ؟ و هل يمكن أن يتحقق ذلك في العلوم البيولوجية ؟مثال تحليل تجربة ( ظاهرة السقوط او ظـــــــــــــــــــــــــــــــاهرة قوس قزح)
المنهج التجريبــــي Méthode Expérimentale هو الطريقة التي يتبعها العلماء في تحليل و تفسير الظواهر الطبيعيــــــــة
1 - الملاحظة Observation/ تركيز الحواس والعقل و الشعور صوب الظاهرة و متابعة تغيراتها بهدف تفسيرها (ملاحظة ظاهرة السقوط)
2 - الفرضية Hypothese/ تفسير عقلي مؤقت للظاهرة ، يحدد الاسباب الممكنة التي تكون وراء حدوث الظاهرة ، فالفرض هو بمثابة مشروع قانون يحتمل الخطأ و الصواب
3-- التجربة Experience/ هي اعادة الظاهرة في ظروف اصطناعية ، يحضرها العالم نفسه ، و الغرض منها هو التحخقق من صحة الفرضيات ، و اكتشاف الاسباب الحقيقية وراء الظاهرة و من ثمة يتم صياغة القانون و م المقصود بالقانون العلمي العلاقة الموضوعية الثابثة بين الظواهر، و التي من خلالها يمكن تفسير ما يحدث امامنا من ظواهر ، و التنبؤ بها مثال ث= ك*ج
هل نتائج العلوم التجريبية دقيقة و يقينيـــــــة ؟
ا- العقليين و انصار الحتمية / نتائج العلم دقيقة و يقينية ، والاستقراء Induction مشروع يقول كــــانط Kant ( الاستقراء يقوم على مبدأ السببية العام) ، لكل ظاهرة سبب ادى حدوثها ، و انطلاقا من معرفتنا للأسبـــــاب ( الاحكام الجزئية) يمكننا استخلاص القواعد العامة (الاحكام الكلية) دون الرجوع الى التجربة
مثال .الذهب يتمدد بالحرارة +النحاس+ الحديد+ الفضة = كل المعادن تتمدد بالحرارة .قاعدة عامة يفينيـــــة
/ لابلاص . نتائج العلوم التجريبية دقيقة ، لأن الظواهر الطبيعية تخضع لقوانين صارمة ( مبدأ الحتمية Déterminisme نفس الاسباب تؤدي حتما الى نفس النتائج مهما تغير الزمان و المكان)
و التنبؤ بهذا المعنى يكون دقيقا أيضا مثل التنبؤ بظاهرة الكسوف ، و الاحوال الجوية ، أمثلة – الماء يغلي بالضرورة في 100°. و يتجمدب الضرورة في 0° و لا شك في ذلك
- لا وجود للصدفة ( ان الصدفة خرافة اخترعت لتبرير جهلنا)
- لابلاص ( يجب ان ننظر الى الحالة الراهنة للعالم كنتيجة للحالة السابقة ، و كمقدمة للحالة اللاحقة)
النقد/ الحتمية مسلمة عقلية و ليست حقيقة تجريبية ، و ما هو مسلم به يحتمل الخطأ و الصواب ، و لا يمثل الحقيقة دائما ، و كثيرا ما تظهر حقائق تؤثر على مجال الاستقراء .
ب- اللإرادية و أنصار اللاحتمية/ دافيد هيوم D.Hume ، الاستقراء غير مشروع ، أي لا يجوز بناء قواعد عامة من أحكام خاصة -ما يصدق على الجزء قد لا يصدق على الكل ، ، الملاحظة تثبت ما هو كائن ، و ما هو كائن جزئي و متغير و هذا ما ينفي وجود علاقات ثابتة بين الظواهر ، الحالة الراهنة لا تفسر الحالة اللاحقة ، ثم أن الربط بين الظواهر وليد العادة فقط ، مثل تتابع البرق و الرعد , و كأن الاول سبب الثاني ، غير أن الظاهرتين منفصلتين ، و هكذا ينتمي هيوم الى المدرسة اللاادرية التي تشك في نتائج العلم .و انصار اللاحتمية مثل هايزنبرغ Heisenberg الحتمية ليست مبدأ مطلق ، لأن بعض الظواهر الطبيعية لا تخضع لقوانين صارمة ، الامر الذي دفعهم الى التسليم بمدأ جديد هو اللاحتمية Non Déterminisme ( نفس الأسباب لا تعطي نفس النتائج) .ظواهر الميكروفيزياء ( العالم الاصغرMicrocosme) يقول هيزنبرغ( ان الضبط الحتمي الذي تؤكد عليه العلية و قوانينها ، لا يصح في مستوى الفيزياء الذرية )
قانون السرعة سر= م/ ز لا يمكن تطبيقه لقياس دوران الالكترون حول النواة ، لأن دورانه عشوائي ذو سرعة فائقة حوالي 7 مليار د/ ثا ، و لا يمكن التنبؤ بمساره و كأنه يختار الطريق بنفسه ، الفعل تلقائي يؤثر على دقة التنبؤ
النقد/ ان هيوم بالغائه لمبدأ السببية العام و ، كل القوانيين العلمية يكون قد دمر العلم من أساسه ، و لقد أدت التقنيات الحديثة الى ازالة فكرة العشوائية في ظواهر الميكروفيزياء ، و اصبح الانسان قادرا على تفسيرها بقوانين خاصة
خلاصة
لا يمكن الحديث عن الدقة المطلقة في العلوم التجريبية مادام الاستقراء ناقصا و النتائج نسبية ، لكن يمكن الحديث عن تطور مستمر لهذه العلوم ، فكلما تطورت وسائل الملاحظة و التجربة كانت النتائج اكثر دقة و يقينـــــــــــــــــــــا
*- هل الفرضية ضرورية في الاستدلال التجريبي ؟مقالة جدلية مفصلة
المقدمة/ يعتمد العلماء في تفسيرهم للظواهر الطبيعية على المنهج التجريبي ،وهذا المنهج يتضمن خطوات من بينها الفرضية أوكما يسميها البعض الأفكار المسبقة ، لكن هناك من ينظر الى هذه الخطوة نظرة سلبية ويراها غير مهمة فهل الفرضية ضرورية في الاستدلال التجريبي ام يجب الاستغناء عنها ؟
*الموقف العقلي/ يرى كلود برنارC.Bernard أن الفرضية ضرورية في التحليل التجريبي لمختلف الظواهر ، والفرضية Hypothèse : هي تفسير عقلي مؤقت للظاهرة ، نتخيل فيه سبب حدوث الظاهرة تمهيدا للتجربة ، فهي بمثابة مشروع قانون . يقول كلود برنار " الفرض هو نقطة الانطلاق الضرورية لكل استدلال تجريبي ، و لولاه لما أمكن القيام بأي استقصاء"مثل فرضيته حول بول الأرانب التي مكنته من اكتشاف الحقيقة ،حيث افترض(أن تكون الأرانب في شروط غذائية مماثلة لآكلة اللحم) وبعد التجربة تأكد من صحة فكرته وتحولت الفرضية الى قانون مفاده -كل الحيوانات اذا ما فرغت بطونها تغذت من الحم عن طريق الامتصاص- فالفرضية أو كما يسميها الفكرة المسبقة هي التي تحرض على التجربة ،فذلك الشك الذي تثيره يدفع بالباحث الى مزيد من البحث ، كما أنا لفرضية هي التي تحدد وظيفة التجربة وتحضر وسائلها ،فدور التجربة بهذا المعنى هو البرهان لا غير ، أي التحقق من صحة الفرضيات يقول كلود برنار ( لا تجريب بدون أفكار مسبقة) وللفرضية شروط أهمها أن تكون موضوعية وواقعية تقبل التجريب ، وتتجه نحو تفسير الظاهرة ،وقليلة من حيث العدد .
النقد/ رغم الأهمية التي تكتسيها الفرضية في تسهيل عمل الباحث ،إلا أن الكثير منها لا يصدق في التجربة و لا يكون مطابقا للواقع ،هذا ما جعل البعض يفكر في ابعادها من المنهج التجريبي وتعويضها بطرق تجريبية اكثر عملية
*الموقف التجريبي / يرى جون ستيوارت ميل J.S.Mill أن ا لفرضية غير ضرورية ،واعتبرها نوع من التخمين الفلسفي البعيد عن الواقع ،وركز على دور التجربة المخبرية باعتبارها الخطوة التي تجعل الباحث في علاقة مباشرة مع الظاهرة والمقصود بالتجربة Experience : إعادة وقوع الظاهرة في ظروف اصطناعية ، يستخدم فيها الباحث وسائل تقنية تجعله يتحكم في الظاهرة ، ويعيد تفاصلها وتغيراتها متى شاء ذلك ،ومن أجل تعويض الفرضيات وضع ميل أربعة طرق تجريبية سميت بقواعد الاستقراء وهي
1- قاعدة الاتفاق أو التلازم في الوقوع-
2- قاعدة الاختلاف أو التلازم في الغياب
3- قاعدة التغير النسبي
4- قاعدة البـــواقي
النقد/ رغم أهمية هذه القواعد الا انها لم تلغ الفرضيات ، فهذا لوفيريي انتهى الى فرضية تم التحقق منها فيما بعد ، كذلك تجربة باستور توحي بأنه كان يشك في دور الهواء لا غير بمعنى أن تجربته كانت مسبوقة بأفكار أي بفرضيات غير معلن عنها ،نفس الشيئ يقال عن الطرق الاخرى
التركيب / لا يوجد تناقض بين ما هو عقلي وما هو حسي وهذا ما يجعل خطوات المنهج التجريبي محطات متكاملة فكل خطوة تمهد للأخرى ، وفي التجربة لا يكون العقل غائبا بل العكس سيكون حاضرا مناجل التفسير والفهم والاكتشاف ،والافتراض اذا ما تعقدت الظاهرة أمام الباحث ،فالمشكلة اذن ليست في أيهما اهم الفرضية ام التجربة ،وإنما المشكلة تكمن في قدرة الباحث على توظيف أفكاره أثناء التجربة وقدرته على ادرا ك العلاقات بين الظواهر و من ثمة استنتاج القانـــــــــــــــــــــــــــــــــــــون
ج-ف
*- هل الرياضيات من صنع العقل أم التجربة ؟
الرياضيات Les Mathsهي العلم الذي يدرس الكم ،وينقسم هذا الأخير إلى كم منفصل أو ( الجبر الذي يدرس الأعداد ) وكم متصل أو ( الهندسة التي تدرس الأشكال )
المشكلة / هل المفاهيم الرياضية وليدة العقل أم التجربة ؟
1- النظرية العقلية / أصل المفاهيم الرياضية هو العقل ،وهي مستنبطة من مبادئه القبلية والدليل على ذلك أن الطبيعة الحسية لا تحتوي على المعاني الرياضية والرموز المعبرة عنها مثل اللانهائي والمستقيم والأعداد وعلاقات الجمع والطرح والقسمة ،فهي من ابتكار العقل وذات طابع مجرد . كما أن الانسان باستطاعته ان يجري العمليات الحسابية في ذهنه دون الاعتماد على الحواس . وقد اعتقد أفلاطون أن المعطيات الأولية للرياضيات موجودة في عالم المثل كالأشكال والأعداد، و هي مفاهيم نابعة من العقل وموجودة فيه قبليا لان العقل بحسبه كان يحيا في هذا العالم وكان على علم بسائر الحقائق .ومنها المعطيات الرياضية التي هي أزلية وثابتة و الرياضيات هي المثل الأكمل في المعرفة ،وقد علق افلاطون على باب مدرسته ( لا يدخل علينا الا من كان رياضيا) نفس الرأي نجده عند ديكارت حيث اعتبر المعاني الرياضية فطرية في النفس وقبلية وسابقة عن كل تجربة مثل فكرة الله ،وهي تحدس بالعقل،وتتميز بالدقة و الوضوح والبداهة يقـول ( حدس البداهة أوثق من الاستنتاج ذاته ) ولو كانت الرياضيات مستوحاة من التجربة لكانت متغيرة لأن الواقع الحسي متغير لكنها حقائق ثابتة فلا يمكن أن نتصور مثلث دون ثلاثة أضلاع أو المستقيم معوج او2+2 لا يساوي 4
النقد/ لو كانت المفاهيم الرياضية فطرية لكانت واحدة عند الجميع ،ولما تطورت قوانينها مع مرور الزمن ، و نظرية أفلاطون عن عالم المثل يطغى عليها الجانب الخيالي أكثر من الواقعي .
2- النظرية التجريبية/ يرى أصحابها أن المفاهيم الرياضية وليدة التجربة الحسية يقول جون لوك ( التجربة هي التي تمدنا بمواد التفكير ) أن العقل مجرد صفحة بيضاء ليس به أي معرفة فطرية ،ولذلك يكتسب الإنسان المعاني الرياضية من خلال احتكاكه بالعالم الخارجي وبالاعتماد على حواسه . والدليل على ذلك أن مجموعة طيور أو أشجار مثلا تكون لنا فكرة عن العدد والمجموعات ، وأشكال بعض الظواهر الطبيعية توحي بفكرة الأشكال الهندسية ، فلولا رؤية الإنسان لقرص القمر لما تعرف عن الدائرة ، و لولا رؤيته لشكل الجبل لما كون فكرة عن المثلث والزاوية ،و لولا النجوم لما تعرف عن النقاط ، ثم أن تاريخ الرياضيات يبين أن عمليات مسح الأراضي كما كان يمارسها قدامى المصريين هي التي أدت الى نشوء الهندسة . وتثبت التجربة أن الأطفال لا يتعلمون الحساب دون استخدام الأصابع وبعض الأدوات كالخشيبات والقريصات ،وتقول الرواية التاريخية أن أول من تعلم الحساب كان رجلا راعيا يستعمل الحصا لمعرفة عدد أغنامه كل هذا يبين ان الرياضيات من صنع التجربة
النقد/ اذا كانت بعض المفاهيم الرياضية لها ما يقابله في الطبيعة ،فان قوانين الدوال والمعادلات لا يمكن أن ننجد لها مقابل في الطبيعة ، كذلك الحواس ليست مصدر موثوق في المعرفة بدليل الخداع البصري.
3- التوفيق بين التجربة والعقل
إن المفاهيم الرياضية بدأت بالتجربة الحسية في أول الأمر ثم تطورت وأصبحت مفاهيم استنتاجية مجردة.يقول جون بياجي ( إن المعرفة ليست معطى جاهز ، و أن التجربة ضرورية لعملية التشكيل والتجريد) وق دوجد العقل الحرية في ابتكار القوانين والعلاقات الرياضية و توظيفها ، ما جعل الرياضيات أكثر العلوم دقة ويقينا حتى أصبحت المثل الأعلى الذي يتطلع اليه العلم الحديث.
للأمانة: ما تقدم من إعداد الأستاذ جحلاط فيصل