قلج علي تولى بيلر بك الجزائر:
اسند منصب بيلربك الجزائر إلى قلج علي في 14 صفر سنة 976هـ/الموافق 8 أغسطس 1568م وعرف عنه بالعزم في تسيير الإدارة والبطولة الحربية والشجاعة.
اتخذ قلج علي خطوات عملية لتنفيذ مشروع خطير للغاية وهو إعادة الحكم الإسلامي في اسبانيا وتحرير الشمال الإفريقي من الجيوب الصليبية فوجه اهتمامه إلى الأسطول أكثر من غيره وصار بعده مبعث قلق ورهبة للأوروبيين، كما انتزع من الفرنسيين حق احتكار المرجان بمركز القالة بسبب تماطلهم وتخلفهم عن دفع الضريبة لثلاث سنوات مضت وتصرفهم في المنطقة التي نزلوا فيها تصرف السادة.
إعادة تونس للحكم العثماني:
صمم قلج علي على ضرورة تصفية القواعد الاسبانية في تونس، قبل أن يبدأ نشاطه في شبه الجزيرة الايبيرية، وذلك لتعبئة الدفاع عن طرابلس والجزائر وكان الاسبان قد اتخذوا من تونس نقطة ارتكاز وقاعدة انطلاق على العثمانيين في طرابلس والجزائر، لذلك لابد من تأمينها.
كان قلج علي على اتصال بالوزير الحفصي أبي الطيب الخضار ورأى ذلك الوزير أن فتح تونس قد حان وقته وأرسل إلى قلج علي يهون عليه أمرها ويتعهد له بتقديم العون.
جهز بيلربك الجزائر قلج علي جيشاً مؤلفاً من نحو سبعة آلاف مقاتل وزحف به نحو تونس فقابل سلطانها أبي العباس أحمد بباجة، ثم بعد قتال عنيف انهزم الأمير الحفصي وتقدم قلج علي بمجموعة نحو تونس وأخذ بيعة أهلها للسلطان سليم الثاني ورتب حامية لحراسة البلاد تحت رعاية حيدر باشا وعاد إلى مقره بالجزائر، وبقيت منطقة حلق الواد بيد الإسبان، وكانت قوات قلج علي لا تكفي وحدها لتطهير البلاد من الاحتلال الاسباني ، لذا فإنه كتب إلى استانبول يطلب مده بقوة تكفي لتحرير الموقع، وكان اهتمام قلج علي بشرق الجزائر سياسة اختص بها من دون أسلافه، فكان يرى أنه لابد من تأمين ظهره ليتسنى له التقدم للغرب، ثم التوجه للأندلس، بعد أن يكون قد أضعف التواجد الاسباني في الشمال الأفريقي.
قلج علي يقف موقف الأبطال مع مسلمي الأندلس:
كان قلج علي على اتصال مباشر بقيادة مسلمي الأندلس عبر قنوات خاصة أشرف عليها جهاز الاستخبارات العثمانية واستطاع هذا القائد أن يمد الثوار في اسبانيا بالرجال والأسلحة والعتاد، وتم الاتفاق مع مسلمي الأندلس على القيام بثورة عارمة في الوقت الذي تصل فيه القوات الإسلامية من الجزائر إلى مناطق معينة على الساحل الاسباني.
جمع قلج علي جيشاً عظيماً قوامه أربعة عشر ألف رجل من رماة البنادق وستين ألفاً من المجاهدين العثمانيين من مختلف أرجاء البلاد، وأرسلهم إلى مدينتي مستغانم و مازغران استعداداً للهجوم على وهران ثم النزول في بلاد الأندلس، وكان يرافق ذلك الجيش عدداً كبيراً من المدافع وألف وأربعمائة بعير محملة بالبارود الخاص بالمدافع والبنادق.
وفي اليوم المتفق عليه وصلت أربعون سفينة من الأسطول العثماني أمام مرسى المرية الاسباني ، لشد آزر الثورة ساعة نشوبها لكن أخفق ذلك المخطط وذلك بسبب سوء تصرف أحد رجال الثورة الأندلسيين إذ انكشف أمره فداهمه الإسبان، وضبطوا ما كان يخفيه من سلاح بعد أن نجح قلج علي في إنزال الأسلحة والعتاد والمتطوعين على الساحل الاسباني، لم تقع الثورة في الموعد المحدد لها، وضاعت بذلك فرصة مفاجئة الإسبان.
لقد قام قلج علي في شعبان سنة 976هـ/ يناير سنة 1569م ببعث أسطول الجزائر لتأييد الثائرين في محاولتهم الأولى، وحاول إنزال الجند العثماني في الأماكن المتفق عليها ، لكن الإسبان كانوا قد عرفوا ذلك بعد اكتشاف المخطط فصدوا قلج علي عن النزول وكان الثورة في عنفوانها، وزوابع الشتاء قوية في البحر فالأسطول الجزائري صار يقاوم الأعاصير من أجل الوصول إلى أماكن أخرى من الساحل ينزل بها المدد المطلوب ، إلا أن قوة الزوابع أغرقت 32 سفينة جزائرية تحمل الرجال والسلاح، وتمكنت ست سفن من إنزال شحنتها فوق سواحل الأندلس، وكان فيها المدافع والبارود والمجاهدين.
استمر قلج علي في إمداد مسلمي الأندلس رغم الكارثة التي حلت بقواته ، وتمكن ذلك المجاهد الفذ من إنزال أربعة آلاف مجاهد من رماة البنادق مع كمية كبيرة من الذخائر وبعض من قادة المجاهدين العثمانيين، للعمل في مراكز قيادة جهاد مسلمي الأندلس.
وعاد العثمانيون فأرسلوا دعماً جديداً من الرجال والسلاح وإعانة للثورة الأندلسية، فصدرت الأوامر إلى قلج علي بذلك في 23 شوال 977هـ/31 مارس 1570م ( ... عليك بالتنفيذ بما جاء في هذا الحكم حال وصوله وأن تعاون أهل الإسلام المذكورين بكل ما يتيسر تقديمه لهم وأن الغفلة عن الكفار أصابهم الدمار غير جائزة...) وكان القائد المجاهد قلج علي قد عزم على الذهاب بنفسه ليتولى قيادة الجهاد هناك لكن ما شاع عن تجمع الأسطول الصليبي للقيام بمعركة حاسمة مع المسلمين وأمر السلطان العثماني له بالاستعداد للمشاركة في هذه المعركة جعله مضطراً للبقاء في الجزائر منتظراً لأوامر استانبول.
وفي غمرة الثورة الأندلسية اتهم زعيم الثورة ابن أمية بالتقاعس عن الجهد وهاجمه المتآمرون وقتل في منزله واختير مولاي عبد الله بن محمد بن عبو بدلاً منه وبعث قلج علي تعزيزات له ونجح الزعيم الجديد في حملاته الأولى ضد النصارى الإسبان وطوق جيشه مدينة أرجيه.
انزعجت الحكومة الاسبانية لهذا التطورات وعينت دون جوان النمساوي على قيادة الأسطول الأسباني (وهو ابن غير شرعي للإمبراطور شارل) فباشر قمع الثورة في سنواتها 977-987هـ/1569-1570م، وأتى من الفظائع ما بخلت بأمثاله كتب الوقائع فذبح النساء والأطفال أمام عينيه، وأحرق المساكن ودمر البلاد وكان شعاره لا هوادة وانتهى الأمر بإذعان مسلمي الأندلس، لكنه إذعان مؤقت، إذ لم يلبث مولاي عبد الله أن عاد الكرة، فاحتال الإسبان عليه ، حتى قتلوه غيلة ونصبوا رأسه منصوباً فوق أحد أبواب غرناطة زمناً طويلاً.